صمتُ السلطانة وكلامُ الشمعة:

صمتُ السلطانة وكلامُ الشمعة:


في قديم الزمان، كان هناك سلطانٌ عادلٌ عظيم الشأن، يحكم بلادًا واسعة، له الهيبة والمكانة، وكان له من الأولاد فتاةٌ واحدة، تُدعى سلطانة، جميلة كطلعة الفجر، هادئة كالنسيم، لكنها غريبة الطباع… لم تنطق بحرفٍ واحدٍ منذ ولادتها!
كبرت الفتاة، وبلغت سنّ الصبا، وزاد جمالها كما يزهر الورد في ربيعٍ نديّ. لكن السلطان لم يكن مرتاح البال، فصمت ابنته أصبح ثقيلاً عليه، وكأن البيت رغم زخارفه ينقصه صوت ضحكتها أو حتى همسة واحدة.
فكر السلطان مليًا، ثم أمر بإعلانٍ عجيب في أرجاء المملكة:
> "من يستطيع أن يجعل السلطانة تتكلم، فله أن يتزوجها ويكون له من المجد ما يشاء!"
تهافت الأمراء، والوزراء، وعلية القوم من الباشوات والشعراء، كلهم حاولوا، البعض جلب لها الذهب، والآخر سرد أعذب القصائد، وبعضهم قدّم العجائب والطرائف... لكنها كانت كالصخر، لا تبتسم، ولا تنظر، ولا تنطق.
وذات يومٍ، مرّ عابر سبيل، شابٌ بسيط الهيئة، ثيابه ممزقة، يحمل في عينيه بريقًا غريبًا لا يشبه الفقر. قرأ الإعلان وقرر أن يُجرب ح
ظه.
ضحك منه الحراس، وقال أحدهم:
– "أتظن أن من عجز عنه الملوك ستفلح أنت؟!"
ردّ العابر بهدوء:
– "إن لم أنجح، فلن تخسروا شيئًا، وإن نجحت... فأنتم شهود."
بلغ الأمر السلطان، فقال:
– "دعه يحاول، فما خاب من طرق الأبواب بعزيمة."
دخل الشاب إلى غرفة السلطانة، وجدها جالسة كتمثالٍ من الصمت، بعينين تلمعان بشيءٍ لا يُفهم. لم يُخاطبها، بل أخرج شمعةً صغيرة، أشعلها، وجلس أمامها، وبدأ يقول:
– "اسمعيني يا شمعة... سأحكي لكِ قصة..."
ارتبكت السلطانة قليلاً، رفّت أجفانها. تابع الشاب:
– "كان هناك ثلاثة رجال منفيين: بنّاء، ونجّار، وخيّاط. سافروا معًا، بحثًا عن مأوى، حتى وصلوا إلى غابة. هناك، اتفقوا على بناء كوخٍ صغيرٍ يقيهم البرد."
نظر إلى الشمعة وقال:
– "هل تسمعينني يا شمعة؟"
بدأت السلطانة تُنصت باهتمام، لكنّها ظلت صامتة.
– "قام البنّاء ببناء الجدران، والنجار صنع السقف... لكن الخياط شعر أنه لا فائدة له، فجلس وخاط دمية صغيرة. قال لهم: دعونا نبيعها في السوق!"
سكت برهة، ثم أردف:
– "وفي اليوم الأول، لم يشترها أحد... وفي اليوم الثاني كذلك... وفي اليوم الثالث..."
فجأة، نهض العابر، ومد يده وأطفأ الشمعة وهمّ بالخروج.
وهنا، حدث ما لم يحدث منذ ولادتها...!
قالت السلطانة، بصوتٍ ناعمٍ حائر:
– "توقّف! من اشترى اللعبة؟"
تجمّد العابر في مكانه، ثم استدار إليها مبتسمًا وقال:
– "ومن جعلها تنطق...؟!"
تعالت صيحات القصر، دُهش الحراس، وانهمرت دموع السلطان وهو يضم ابنته التي نطقت أخيرًا بعد كل تلك السنين!
وسُرّ الناس في المملكة بهذا الحدث، حتى باتوا يقولون في أمثالهم:
> "من جعل السلطانة تنطق... فقد غيّر القدر!"

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصة الشاب الفلسطيني خليل الذي أصبح إلهًا في الهند

طرد امه من البيت بسبب زوجته

الخادمة والأمير